تمثال الحرية بنيويورك، الولايات المتحدة

تمثال الحرية Statue of Liberty

تمثال الحرية Statue of Liberty أحد المعالم الأكثر شهرة في العالم وهو عمل فني نحتي قامت فرنسا بإهدائه إلى الولايات المتحدة في 28 أكتوبر عام 1886 كنصب تذكاري بهدف التوثيق التاريخي للصداقة بين شعبى البلدين بمناسبة الذكرى المئوية للثورة الأمريكية (1775-1783)، ويعد التمثال أيضاً رمزاً للحرية يلهم الناس حول العالم تمثيلاً للديمقراطية والليبرالية. حيث يتبني التمثال شعار “الحرية تنير العالم Liberty Enlightening the World”.

يستقر التمثال بارتفاع 93 متر (305 قدم)، على خليج نيويورك بجزيرة الحرية في الولايات المتحدة الأمريكية. يمثل التمثال امرأة تحررت من قيود الاستبداد التي ألقيت عند إحدى قدميها، تلوح في الأفق بيدها اليمنى بشعلة ترمز إلى الحرية بارتفاع 8.8 متر، بينما تحمل بيدها اليسرى كتاباً نُقش عليه عِبارة (الرابع من يوليو 1776) باللغة الرومانية، تشير إلى تاريخ استقلال الولايات المتحدة الأمريكية، ويتزين رأس المرأة بتاج مكون من 7 أسنة ترمز إلى البحار السبع أو القارات السبع في العالم.

تصميم وبناء تمثال الحرية

صمم تمثال الحرية النحات الفرنسي “فريديريك بارتولدي Frédéric Bartholdi”، وصمم هيكل التمثال الفولاذي المهندس المعماري الفرنسي “غوستاف إيفل Gustave Eiffel” الذي قام بتصميم “برج إيفل” الشهير، وبدعم مجموعة من الليبراليين الفرنسيين الذين روجوا للولايات المتحدة الأمريكية كنموذج للحكومة الشعبية المنظمة والمستقرة. بدأ العمل على تصميم وبناء التمثال سنة 1875، وتم بناء هيكله من الصفائح النحاسية بسمك 2.5 مم (0.01 إنش) مثبتة إلى الهيكل الحديدي. وقد كشف الستار عن التمثال في 28 أكتوبر 1886، في عهد الرئيس الأمريكي “جروفر كليفلاند”، وكان التمثال آنذاك الهيكل الأكبر ارتفاعاً في مدينة نيويوك.

يرتكز التمثال على قاعدة أسمنتية / جرانيتية يبلغ عرضها 47 متر (154 قدم)، ويبلغ طول التمثال من القدم إلى أعلى الشعله 46 متر (151 قدم)، بينما يبلغ الطول الكلي من القاعدة 93 متر (305 قدم)، ويزن التمثال إجمالياً (125 طن). يحيط بالتمثال حائط نجمي (نجمة ذات 10 رؤوس) تم بناؤه عام 1812 كجزء من حصن فورت Fort Wood، والذي استخدم للدفاع عن مدينة نيويورك أثناء الحرب الأهلية الأمريكية (1861-1865). ويحتوي التمثال على 25 نافذة، و 7 رؤوس مدببة في تاج التمثال ترمز إلى البحار السبعة أو القارات السبع في العالم.

بناء اليد اليسرى من تمثال الحرية، سنة 1883
بناء اليد اليسرى من تمثال الحرية، سنة 1883

متحف تمثال الحرية

يضم متحف تمثال الحرية الذي تبلغ مساحته 26000 قدم مربع 3 معارض، كل منها يهدف إلى إلهام الزوار وتثقيفهم حول تمثال الحرية من الناحية التاريخية والإنشائية بأساليب عرض تفاعلية شيقة، كما يوفر مسرح المتحف جولة سينمائية حول التمثال. في معرض المشاركة Engagement Gallery، يشاهد الزوار كيف تم بناء التمثال عبر طرق تفاعلية لاستكشاف معاني التمثال الرمزية. ويوفر معرض الإلهام Inspiration Gallery للزوار مشاركة صورتهم الشخصية ومجموعة من الصور لإنشاء لوحة فسيفسائية ديناميكية تعكس وجهة نظر الحرية الجماعية. يمكن للزوار أيضاً مشاهدة الشعلة الأصلية المعروضة في جناح محاط بالزجاج مع إطلالة على التمثال في الخلف. يمزج المتحف بين المناظر الطبيعية والمبنى، مع سقف مزين بأعشاب المروج الأصلية يوفر للزوار إطلالات بانورامية على ليدي ليبرتي ومانهاتن ومرافئ نيويورك. وقد تم إدراج تمثال الحرية إلى قائمة التراث العالمي لليونسكو في سنة 1984.

متحف تمثال الحرية
متحف تمثال الحرية

تاريخ تمثال الحرية

في عام 1869 قام فريدريك بارتولدي بتصميم نموذج مُصغر لمنارة على شكل فلاحة مصرية ترتدي ثوباً طويلاً تلوح بيدها حاملة شعلة يتسرب منها ضوء لإرشاد السفن، مع شعار “مصر تحمل الضوء لأسيا Egypt Carrying the Light to Asia”. كرمز لآشعة الشمس على رأس التمثال مستوحى من عملة مصرية تاريخية تظهر بطليموس الثالث الحاكم الثالث في عهد البطالمة في مصر. عُرِض التمثال على الخديوي إسماعيل ملك مصر آنذاك، ليتم وضع التمثال في مدخل قناة السويس التي تم افتتاحها حديثاً في 16 نوفمبر من نفس العام، لكن الخديوي إسماعيل اعتذر عن قبول اقتراح بارتولدي نظراً للتكاليف الباهظة التي يتكبدها هذا المشروع، حيث لم يكن لدى مصر السيولة النقدية اللازمة لمثل هذا المشروع خاصة بعد تكاليف حفر القناة، واستبدل الخديوي نموذج التمثال ببناء منارة على القناة بارتفاع 180 قدم.

تمثال الحرية صمم في الأصل كتمثيل لإمرأة مصرية
تمثال الحرية صمم في الأصل كتمثيل لإمرأة مصرية

في هذا الوقت، كانت الجمهورية الفرنسية الثالثة (1870-1940) تتملكها فكرة إهداء هدايا تذكارية لدول شقيقة من أجل تأصيل أواصر الصداقة بينهما، فتم إهداء الولايات المتحدة الأمريكية هذا التمثال باقتراح المؤرخ الفرنسي “إدوار دي لابولاي” في ذكري احتفالها بالذكرى المئوية لإعلان الاستقلال، والتي يحين موعدها في 4 يوليو 1876، واحتفاءً بنجاح الولايات المتحدة في بناء القيم الديمقراطية. وافقت الولايات المتحدة على الاقتراح، ليكون المشروع بمثابة جهد مشترك بين البلدين، وتم الاتفاق على أن يتولى الفرنسيون تصميم هيكل التمثال النحاسي بينما يتولي الأمريكيون تصميم القاعدة الأسمنتية الجرانيتية. بدأت حملة ترويجية للمشروع التاريخي في كل من البلدين لإيجاد التمويل اللازم لمثل هذا المشروع الضخم، استطاعت فرنسا توفير مبلغ 2250000 فرنك من خلال الضرائب ووسائل الترفيه التي يستخدمها المواطنون وتذاكر اليانصيب لتمويل التصميم وشحن التمثال إلى الولايات المتحدة. على صعيد آخر، كانت المعارض الفنية والمسرحية وسيلة الأمريكيين لتوفير الأموال لبناء قاعدة التمثال، وكان يقود هذه الحملة السيناتور وعمدة نيويورك ويليام إيفارتز الذي أصبح وزير الخارجية الأمريكي فيما بعد، غير أن هذا لم يكن كافياً لتغطية تكاليف المشروع، مما جعل جوزيف بوليتزر – صاحب جائزة بوليتزر – يقوم بإنشاء حملة من خلال الجريدة التي كان يصدرها  World news، وتم اختيار موقع المشروع على جزيرة الحرية على خليج نيويورك، التي كانت تعرف آنذاك باسم جزيرة بدلو Bedloe.

ومن ضمن هذه الجهود أيضاً، ما قامت به الشاعرة الأمريكية إيما لازاروس Emma Lazarus، حيث قامت بتأليف قصيدة تسمي قصيدة التمثال الجديد The New Colossus في 2 نوفمبر 1883، ولم تشتهر هذه القصيدة إلا بعد تأسيس التمثال بسنوات. بمرور  الوقت، تم توفير الأموال اللازمة، وقام المعماري الأمريكي “ريتشارد موريس هنت Richard Morris Hunt، بتصميم القاعدة وانتهى منها في أغسطس 1885 ليتم وضع حجر الأساس في الخامس من نفس الشهر. وبعدها بعام اكتملت أعمال بنائها في 22 إبريل 1886. أما عن الهيكل الإنشائي، فكان ينكب عليه المهندس الفرنسي “يوجيني لو دوك Eugène Viollet-le-Duc” لكنه توفي قبل الانتهاء من التصميم، فتم تكليف المهندس الفرنسي غوستاف إيفل، ليقوم بإكمال ذلك العمل. وبالفعل قام إيفل بتصميم الهيكل المعدني المكون من إطار رئيسي للتمثال يتم تثبيته في إطار ثاني في القاعدة لضمان ثبات التمثال. وقد خضعت الشعلة على مر السنين للعديد من التعديلات والصيانة، ففي عام 1916 تم تحويلها إلى الطاقة الكهربائية، كما أعيد تصميمها في منتصف الثمانينات.

.
اكتشف المزيد
تعليقات

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط Cookies لتحسين تجربة الاستخدام. قبول سياسة الاستخدام والخصوصية