يحقق علماء الأثار كل يوم اكتشافات جديدة ومذهلة حول الكيفية التي تم بها بناء أهرامات الجيزة المصرية، والتي بُنيت قبل 4500 عام في المملكة المصرية القديمة في مصر. كانت الأهرامات واحدة من أهم مصادر المؤرخين وعلماء الأثار للتعرف على حياة المصريين القدماء، حيث تضم جداريات توضح الممارسات الزراعية، وحياة المدينة القديمة والاحتفالات الدينية. ولكن لم تكشف النقوشات والجداريات المكتشفة داخل الأهرامات عن الطرق التي تم بها بناء الأهرامات. ولكن جهود الكثير من علماء الأثار في السنوات القليلة الماضية قد غيرت بشكل كبير المنظور الحديث في الدراسات المصرية القديمة، بعد مئات من السنوات من الأبحاث والدراسات التي تكللت بحل جزء كبير من سر بناء الأهرامات.
يعتبر بناء الأهرامات لغزاً كبيراً حير علماء الأثار والتاريخ، نظراً لكون الأهرامات إنجازاً هندسي مذهل تم بدقة كبيرة من خلال خطط وقياسات دقيقة بنسبة أقل من بوصة واحدة، مقارنة بأدوات وتقنيات البناء في وقت بناؤها، وفي الوقت الذي لم يتم فيه اختراع جهاز البكرة الرافعة بعد، وهو جهاز كان من شأنه أن يسهل عملية رفع الحجارة الكبيرة.
الجدل والنظريات حول كيفية بناء الأهرامات
بدأ الملك خوفو بناء أكبر أهرامات الجيزة (هرم خوفو)، في عام 2550 قبل الميلاد. وقد نجت الأهرامات الثلاثة منذ 4500 عام من الزلازل والحروب والعواصف الصحراوية وعوامل التعرية الطبيعية. اعتقد المؤرخون اليونانيون القدماء أن المصريين قاموا ببناء سلالم مثل السقالات لحمل الحجارة على طول واجهات الأهرامات.
ويعتقد بعض علماء الأثار أن الكتل الحجرية للأهرامات التي يصل وزنها مابين 2 إلى 20 طن، تم نقلها إلى الجيزة من مكان يبعد حوالي 500 ميل على الأقل عن الجيزة، ولكن من الصعب الاعتقاد بأن هذه الطريقة ستنجح مع بعض الأحجار الضخمة والتي يصل وزنها إلى 80 طناً كحجر الجرانيت المعلق في حجرة دفن الملك. ولكن تبقى كل هذه النظريات مجرد فرضيات نظراً لعدم وجود دليل في الجداريات والنصوص المكتشفة يشير إلى أنه تم دحرجة الحجارة بهذه الطريقة، وكيفية نقل ورفع الحجارة من موضعها إلى أعلى هرم شاهق. ولكن لا تزال هذه الفرضيات محل الدراسة.
اكتشافات جديدة حول بناء الأهرامات
في ظل هذا الغموض حول سر بناء الأهرامات، ظهر مؤخراً كشفان جديدان حول كيفية بناء الأهرامات، الكشف الأول كان بقيادة فريق هولندي ألقى نظرة ثانية على الفن المصري الذي يصور العمال الذين يقومون بنقل الحجارة الضخمة على الزلاجات عبر الصحراء، حيث يُعتقد أن المصريون القدماء كانو يبللون الحجارة ويصبون المياة في مسار الحجارة ليسهل نقلها، باستخدام ما يسمى اليوم مبادئ ميكانيكا الموائع (الماء يساعد حبيبات الرمل على الالتصاق معاً مما يقلل الاحتكاك بشكل كبير).
وكان الكشف الثاني من قبل خبير المصريات مارك لينر Mark Lehner حيث كشف عن نظرية أخرى جعلت من سر بناء الأهرامات أقل غموضاً، حيث كشف عن أثار مجاري مائية مصرية قديمة كانت تشق مياه نهر النيل إلى موقع بناء الأهرامات وسط الأميال الصحراوية الرملية، حيث كان المصريون يحملون الحجارة الضخمة على القوارب ويتم نقلها عبر نهر النيل إلى موقع بناء الأهرامات، وكان دليل لينر كشف عن أعمال التنقيب عن ميناء قديم بجوار الأهرامات.
وقد اكتشف عالم الأثار يير تاليت Pierre Tallet، في عام 2013 بردية لرجل يدعى “ميرر Merer” يبدو أنه كان رجلاً بيروقراطياً متوسطاً، وقد كلف بعملية نقل بعض مواد البناء إلى الجيزة. بعد أربع سنوات من دراسة البردية، اكتشف تاليت أن كاتب اليوميات القديم والمسؤول عن أقدم مخطوط بردي تم العثور عليه، وصف تجاربه في الإشراف على فريق من 40 عاملاً فتحوا السدود لتحويل المياه من النيل إلى قنوات صناعية تصل مباشرة إلى مكان بناء الاهرامات.
مهندسين وعمال بناء الأهرامات
كان مهندس بناء الأهرامات هو المهندس المصري القديم “حم إيونو Hemiunu”، فكان أعظم مهندس معماري عرفته البشرية. كان حم ايونو أحد أمراء الأسرة الرابعة في عهد الملك خوفو، وكان مسؤولاً عن بناء الهرم الأكبر خوفو. وُلد حم إيونو في عام 4600 ق.م، ووالده هو الأمير نفر ماعت، ووالدته هي الأميرة إيتت، وشغل منصب “تياتي” أي وزير، وكان المشرف على كل أعمال الملك خوفو. تم اكتشاف مقبرة حم إيونو في عام 1912 م، وكان قد تم الاستيلاء على محتويات مقبرته وكُسر تمثاله، وظل التمثال دون رأس، حتى أخذه أحد المستكشفين الألمان إلى ألمانيا لترميمه، ويعرض تمثال حم إيونو الآن بمتحف “رومر بيليزيوس” في مدينة هيلدسهايم بألمانيا. حتى الآن، لا تزال الطريقة التي توصل إليها المهندس العبقري حم إيونو لبناء هرم الملك خوفو سراً، حيث أقام أعظم تحفة هندسية معمارية على الإطلاق.
تم اكتشاف جبانة على سفح تل الأهرامات مباشرة غرباً، حيث خُصص المكان لدفن العمال والمشرفون ذوي الرتب الدنيا في مصاطب أو مقابر مقببة مبنية من الطوب اللبن على سفوح التلال المنخفضة. بينما دُفن العمال والمشرفون ذوي الرتب العالية والحرفيون المهرة والفنانين في مصاطب حجرية كبيرة أعلى المنحدر. وكان من بين الأثار المكتشفة في هذه الجّبانات مقابر ذات زخارف بديعة. وتبيّن بقايا العظام المكتشفة تعرض بعض العمال إلى كسور العظام نتيجة للعمل الشاق، وقد عولجوا بشكل صحيح و تماثلوا للشفاء، مما يؤكد على وجود رعاية وتغذية سليمة للعاملين على بناء الأهرامات.
وقد تم اكتشاف بقايا مدينة سكنية كبيرة تعرف باسم (حيط الغراب) في المنطقة الجنوبية الشرقية لهضبة الجيزة، حيث عاش العمال الذين ساهموا في بناء الأهرامات، في عهد الملك خفرع (2558 – 2532 ق.م)، ومنكاورع (2532 – 2503 ق.م)، إضافة إلى تجمعات سكنية أقدم ترجع لعهد الملك خوفو (2589 – 2566 ق.م). تم الكشف عن منازل ومخازن وثلاثة شوارع رئيسية ومبنى إداري ملكي داخل أسوار تلك المدينة السكنية، وتم العثور على كمية هائلة من عظام الأسماك والطيور والأبقار والأغنام والخنازير، حيث تكفلت الدولة المصرية القديمة برعاية العمال لضمان الحصول على أفضل مقابل للعاملين على بناء الأهرامات.
شاهد أيضاً: تمثال أبو الهول Sphinx. عجائب الدنيا السبع: الأهرامات المصرية.